في الأمثال الحجازية القديمة يقال: "مين شافك يا اللي في الظلام تغمز". والمغزى أن جهودك و"غمزاتك" راحت هباء منثورا!
كثير من البشر يغمزون في الظلام. بعضها غمزات بريئة، وبعضها دون ذلك. يقول الشاعر العذب علي بن حمري: "ياللي قتلت القلب من غمزة العين.. ادفن قتيلك بين جمر الشفايف"!
والمؤسسات والجهات الخاصة والحكومية هي الأخرى تغمز. بعضها تحت الضوء وبعضها في الظلام. الإعلام الرسمي في بلادنا -وهو موضوعنا اليوم- يغمز غمزات بريئة ليل نهار. ولا أحد يراه، أو يرى غمزاته!
من الكرة الزجاجية، أو برج التلفزيون -الصورة الرمزية للإعلام السعودي- تنطلق كثير من القنوات. بث متواصل. برامج متنوعة. ساعات على الهواء، وأخرى مسجلة، وأخرى لا تعلم هل هي مباشرة أم مسجلة. ولو أجريت استفتاء على ملايين البشر الذين يسكنون الرياض وحدها: "من منكم يشاهد هذه القنوات"؟ ربما تصدمك الإجابة، وتدهشك الأرقام!
هل أنت أساسا بحاجة في هذه العصر الرقمي للاستفتاء؟ هل أنت بحاجة لأكوام من الأوراق لتعرف الحقيقة؟ "لمسة زر" واحدة تكشف لك حجم المشاهدة!
أكتب هذا المقال بالتزامن مع تولي زميلنا العزيز الدكتور "عبدالملك الشلهوب" مهمته الجديدة، رئيسا لهيئة الإذاعة والتلفزيون.
المهمة التي يتصدى لها زميلنا، ذات جانبين. إذ باستطاعته أن ينام كما يقول المصريون "على الجنب اللي يريحه"، فيدع الكاميرات تدور وتغمز ليل نهار، والملايين تهدر، دون أي أثر أو تأثير، ودون أن يزعج نفسه أو يزعج أحدا. تماما كالمعلم الكسول الذي يكلف طلابه بحل واجب طويل أثناء الحصة، ويتفرغ لهاتفه الجوال!
وباستطاعته -وهذا المأمول والمنتظر والمتوقع منه- أن يغربل هذه القنوات المتكدسة، ويلغي بعضها ويدمج بعضها.
الخلاصة: أمام هيئة الإذاعة والتلفزيون مهمة مُلحّة؛ لتركيز الجهود المشتتة، من خلال إغلاق "بعض القنوات السعودية" التي تتسول المشاهدين، وتهدر المال العام، وتكتفي بتركيز جهودها ودعمها على عدد محدد من هذه القنوات. والأمر كما قلت ليس في حاجة إلى كاهن أو عرّاف كي يخبرنا عن نسبة المشاهدين. لغة الأرقام تقطع قول كل خطيب.