شهود الواقعة يتحدثون عن جريمة عمرها 24 عامًا.. وأسباب دعم “نظام قطر” لمنفذيها
– تفاصيل “الأدوار اللوجستية” التي لعبتها الخرطوم وطهران والدوحة في الدعم والإسناد.
– لماذا تمّت العملية الإجرامية قبل ساعات قليلة من انقلاب أمير قطر السابق على والده؟!
– لماذا رصدت قطر أكثر من 19 مليون دولار لترويج رواية متفق عليها تبرر محاولة الاغتيال؟
– طبيعة التحقيقات الجارية حاليًا مع البشير وقيادات سودانية بارزة حول ما حدث آنذاك.
– قلق غير مسبوق في الدوحة خشية كشف الوثائق السودانية لدور “الأمير الوالد” في الملف
– “نظام الدوحة” يخصص ميزانية مفتوحة للإطاحة بالفريق “البرهان” الرافض للتآمر القطري.
– الترابي يعترف “قبل رحيله” بتصفية ضباط شاركوا في المحاولة.. ومعلومات تعدد الأسماء
علمت “عاجل”، من مصادر دبلوماسية وسياسية مطلعة، أن التحقيقات الأولية التي تجريها النيابة العامة مع الرئيس المعزول، عمر البشير، وأركان حكمه، لم تتوقف عند اتهامات الفساد المالي وغسيل الأموال، ومخالفة قوانين النقد الأجنبي، لكنها تطرقت لملفات أخرى يتصدرها الاشتراك الجنائي في جرائم داخلية، وأخرى خارجية، من بينها محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في أديس أبابا، في السادس والعشرين من يونيو عام 1995.
وأوضحت المصادر لـ”عاجل”، أن اهتمام سلطات التحقيق بمحاولة اغتيال مبارك (التي تصنف ضمن أشهر 10 عمليات إرهابية هزت العالم، خلال العقود الأخيرة) كونها أساءت للدولة السودانية، ووضعتها في مربع دعم الإرهاب، بحكم الشخصيات التي حامت حولها الشبهات (تخطيطًا، ودعمًا، وتنفيذًا) فضلًا عن النتائج المتلاحقة التي ترتبت على المحاولة لاحقًا، سياسيًّا، ودبلوماسيًّا، واقتصاديًّا، ما كان له أثر مباشر على عموم المواطنين السودانيين.
وفيما تمت التحقيقات الأولية (الخاصة بتقييم البيانات المتاحة) مع البشير وأركان حكمه في غياب هيئة الدفاع عنهم، فقد أوضحت المصادر أن أسرته كلفت لاحقا قائمة من مشاهير المحامين السودانيين للدفاع عنه (تضم رئيس البرلمان السوداني الأسبق، أحمد إبراهيم الطاهر، وعبد الباسط سبدرات، وعمر عبدالعاطي) أمام النيابة العامة والمحكمة لاحقا، ليس فقط في الدعوتين المقيدتين من النيابة العامة بخصوص مخالفة قانون النقد الأجنبي، والمادة 35 من قانون غسل الأموال، لكن في كل الاتهامات الأخرى التي يواجهها البشير.
ارتباطات
وكشفت المصادر لـ”عاجل”، عن تفاصيل مثيرة جرى مواجهة البشير وعدد من أركان حكمه (قيادات استخباراتية، وسياسية) بها، لضلوعها وتقاطع بعضها مع المحاولة التي تحل ذكرها حاليًّا، غير أن الأكثر إثارة يتمثل في محاولة بعض مساعدي البشير التنصل (خلال التحقيقات الأولية) مما حدث، وإبراء الذمة من خلال الإدلاء بتفاصيل تلقى الضوء على تلك المحاولة التي انعكس تأثيرها على المنطقة العربية طوال الـ24 عامًا الماضية.
ويبدو أن الفترة الزمنية الطويلة التي مرت على تنفيذ محاولة الاغتيال لم تبوح بكل التفاصيل المثيرة التي أحاطت بالعملية (قتل خلالها خمسة من المهاجمين، واثنان من ضباط الشرطة الإثيوبية، وأصيب السفير الفلسطيني في قدمه) على صعيد التخطيط، والتنفيذ، والأهم الدعم اللوجستي من أطراف عدة (سودانية.. إيرانية.. قطرية) لمساعدة العناصر المنفذة.
اللافت، أن التحليلات والتعليقات والمعلومات المتعلقة بملف محاولة اغتيال مبارك لم توثق تفصيلا ما حدث، ولم تلتفت إلى دلالة التوقيت في عملية التنفيذ، وأبعاد الدعم القطري لهذه المحاولة، وكيف خطط نظام الدوحة (بمشاركة حلفاء إقليميين، تتصدرهم إيران) في توظيف المحاولة التي منيت بالفشل في أديس أبابا (26 يونيو 1995) لأسباب سنوردها تفصيلًا على لسان من حضروا الساعات العصيبة، حينها.
ولم يلتفت كثيرون إلى أن العملية سبقت (بيوم واحد فقط) أحد أهم المتغيرات الكارثية في المنطقة، أقصد يوم 27 يونيو 1995، تاريخ انقلاب أمير قطر السابق، حمد، على والده الشيخ خليفة آل ثاني، فور سفره في إجازة خاصة إلى سويسرا، وهى الواقعة التي شكلت أسوأ واقعة “عقوق”، خلال القرن العشرين، عندما سارع حمد (بترتيبات مع حلفاء إقليميين ودوليين) إلى عزل والده، وتولى مقاليد الحكم!!
وربطت المصادر التي تحدثت لـ”عاجل”، بين محاولة الاغتيال، وواقعة انقلاب أمير قطر التي كان “حمد آل ثاني”، مطلعا على مخططها (مع أطراف أخرى) بالتزامن مع هندسته لعملية الانقلاب الداخلي التي نفذها ضد والده، وكيف تداول المخططون لمحاولة اغتيال مبارك، حينها، تأثير عملية تغييبه عن المشهد في إحداث حالة فراغ سياسي في واحدة من أهم دول المنطقة.
وأكد المخططون أن نجاح محاولة الاغتيال (الذي لم يتحقق) سيعطى الفرصة لأطراف المؤامرة الإقليمية الجديدة (آنذاك) للتحرك بكل حرية ضد الدول الرئيسية في المنطقة (السعودية والعراق وسوريا والجزائر) استغلالًا لحالة الفراغ، فضلًا عن التمويه على الانقلاب القطري بالتوظيف الإعلامي والسياسي، الذي بادرت قطر برصد أكثر من 19 مليون دولار، حينها، وخصصتها (وفق المصادر) لشركات علاقات عامة ووسائل إعلام دولية حتى تبني الرواية التي جرى الاتفاق عليها في تبرير عملية الاغتيال (حال نجاحها).
ميزانية
وفيما تحدثت المصادر لـ”عاجل”، عن رصد مبالغ خرافية خصصها أمير قطر السابق، حمد آل خليفة، لشراء ذمم دول إقليمية، حتى لا تتعاطف مع مصر في حال نجاح محالة اغتيال مبارك، فقد أسفرت عملية التفتيش التي أمرت بها النيابة العامة السودانية، مؤخرا، لمقر إقامة الرئيس المخلوع، عمر البشير، عن ضبط مبالغ مالية سائلة في حقائب تصل قيمته إلى أكثر من 113 مليون دولار، تم العثور عليها بواسطة فريق مشترك من القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن، تحت إشراف النيابة العامة.
وأمرت النيابة بإيداع المبلغ المذكور في خزينة البنك المركزي، واعتبار الواقعة غسيل أموال واتجار في النقد الأجنبي، وحيازة أموال ضخمة دون مسوغ قانوني، خاصة أن البشير أصدر أمر طوارئ قبل أقل من شهر من عزله يجرّم تخزين العملات الأجنبية والوطنية والمضاربة فيها خارج النظام المصرفين فضلًا عن اتهامات أخرى تربط بين هذه المبالغ وارتباطات مثيرة للجدل بين البشير والنظام القطري.
وعلمت “عاجل”، أن سلطات التحقيق السودانية شرعت في إعادة فتح ملف محاولة اغتيال الرئيس الأسبق، حسنى مبارك في أديس أبابا، ضمن محاولة لاستجلاء الحقيقة كاملة من البشير وأركان حكمه (مودعون في سجن كوبر، شمال الخرطوم، منذ قرار العزل الصادر في 11 إبريل الماضي)، وأمر النائب العام السوداني، بتشكيل لجنة عليا للإشراف على التحقيقات في بلاغات الفساد والدعاوى الجنائية الخاصة بالأحداث الأخيرة والاتهامات الأخرى، كما وجه خطابا لمدير جهاز الأمن والمخابرات برفع الحصانة عن عدد من منسوبي الجهاز، تمهيدًا لاستجوابهم في العديد من الاتهامات.
وتسببت هذه الخطوة في حالة من القلق غير المسبوق في الدوحة، التي شرع نظامها في تخصيص ميزانية مفتوحة للإطاحة بالمجلس العسكري الحاكم، بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، الذي رفض منذ البداية التعاطي مع نظام الدوحة، كونه مطلعا على مئات الوثائق التي تثبت كيف ورطت قطر (في عهد الأمير الوالد) عشرات القيادات في ملفات إقليمية مثيرة للريبة، من بينها الضلوع في محاولة اغتيال مبارك.
اتهامات
بدورها، تعيد “عاجل”، تسليط الضوء (من خلال تفاصيل ومعلومات من أطراف متعددة) على محاولة الاغتيال الفاشلة التي سبق أن تعرض لها مبارك (بعد وصوله إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا للمشاركة لحضور القمة الإفريقية عام 1995) ما يلقي يكشف عن جوانب معتمة في تلك الجريمة التي لا تسقط بالتقادم.
يأتي هذا فيما اتهم رئيس حزب الأمة السوداني، مبارك الفاضل، في وقت سابق، القياديين البارزين في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، سابقًا، علي عثمان طه، ونافع علي نافع، بالضلوع في محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، في أديس أبابا، موضحًا (تصريحات مقتضبة في الخرطوم) أن بحوزته “ملفات تؤكد تورط النظام السابق في دعم جماعات خارجية، وتدريب كوادر حركات إسلامية من دول أوروبية وعربية داخل السودان، وأنه تم السماح لها لمعظم كوادر هذه الجماعات بدخول البلاد دون ختم جوازات السفر الخاصة بهم”.
وصباح يوم محاولة تنفيذ محاولة الاغتيال (في 26 يونيو 1995) لم يكن المصريون قد عرفوا بعد ما حدث قرب مقر القمة الإفريقية، في أديس أبابا، قبل أن تتعلق كل الحواس بوسائل الإعلام عقب بيان رسمي مفاده: «بعد وصول الوفد المصري لدي مؤتمر القمة الإفريقي إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا تمت مراسم الاستقبال الرسمي في المطار، حيث كان الرئيس ميليس زيناوي علي رأس المستقبلين، ورحب بالرئيس مبارك وودعه إلى السيارة التي تقله إلى مقر المؤتمر، وأثناء سير الركب المقل للوفد تعرضت بعض سياراته لطلقات من أسلحة نارية يحملها بعض الأفراد وسارعت قوة الحراسة المصرية المصاحبة للوفد بالرد علي هذا الهجوم الإجرامي المباغت، وتمكنت من إصابة ثلاثة من المهاجمين لقي اثنان منهم مصرعهما».
تفاصيل
أخذت التفاصيل المقتضبة تتوارد تباعًا، بدأها الرئيس مبارك فور وصوله إلى القاهرة، آنذاك، عندما قال: “بعد هبوطنا في مطار إثيوبيا، لاحظنا تأخر الحراسة الإثيوبية المرافقة لنا، ثم رفضهم اصطحاب حراستي الشخصية للطبنجات.. انطلق الموكب نحو مقر القمة، لكن فوجئنا بسيارة زرقاء تسد الطريق.. ترجل مجموعة من الأشخاص، وفتحوا النيران على سيارتي…”.
تابع آنذاك: “حراستي أخذت أماكنها، وتعاملت معهم.. سمعت صوت طقطقة.. أصابوا السيارة بطلقتين.. لمحت شاب صغير السن يحمل رشاشًا ويتجه نحو السيارة، لكن الحرس أصابوه، وظلوا محافظين على هدوئهم.. أمرت سائقي بالعودة إلى المطار مجددا.. عقب عودتي للمطار وجدت الرئيس الإثيوبي مضطرب للغاية.. أبلغته بأنني متوجه فورا للقاهرة.. تفهم موقفي.. اكتشفنا لاحقا أن الفيلا التي كانت تسكنها المجموعة المتورطة في الحادثة كانت مؤجرة من قبل.. الإرهابيون لم يخرجوا من السفارة الفلسطينية مثلما تداول البعض، لكن من فيلا كانت قريبة من مقر السفارة…” انتهى كلام مبارك.
تقول المعلومات إن من خططوا للعملية اختاروا شارع “بولى”، في أديس أبابا، كونه شارعًا رئيسيًّا به مقر الاتحاد الإفريقي، ومبان أخرى رسمية فاخرة، ومن ثم تم استئجار مبنى مجاور (فيلا غالية الثمن، بحسب المعلومات التي توصل إليها فريق العمل المشترك من جهازي المخابرات وأمن الدولة المصريين، بعد سفرهم في اليوم التالي مباشرة، بقرار من مبارك).
كان اختيار المبني لقربه من الميدان الرئيسي، ومناسبته لعملية التنفيذ، كون الموكب الرئاسي عند وصوله للميدان سيخفف من سرعة سياراته، وعليه يسهل استهدافه، بحسب التدريبات (صنع وزرع المتفجرات، تفخيخ السيارات، وتنفيذ الاغتيالات…) التي تلقتها عناصر التنفيذ في مزرعة تابعة لأسامة بن لادن في منطقة “سوبا” بالخرطوم، وتم تمثيل العملية على أرض مشابهة للخطة الأصلية لمعالجة أي أخطاء أو ثغرات يمكن أن تحدث مستقبلًا خلال التنفيذ الفعلي.
شهود
وفي وقت سابق، روى اللواء حامد شعراوي (قائد الحرس الخاص للرئيس مبارك، خلال الفترة من عام 1989 حتى عام 2004) أنه “يوم حادث أديس أبابا، كنا 6 ضباط حراسة خاصة بمن فيهم أنا.. ركبنا سيارة إثيوبية بطيئة بعض الشيء.. كانت تسير علي مسافة 300 متر خلف سيارة الرئيس مبارك.. فجأة، وجدنا الموتوسيكل الإثيوبي الذي يسبق سيارة مبارك يسقط أرضًا، إثر طلقات نارية من بنادق آلية من مبنى على الطريق.. فوجئنا أيضا بمهاجمين آخرين يطلقان النار من رشاشين باتجاه سيارة الرئيس.. خرجنا في لمح البصر من السيارة التي تقلنا.. كانت المشكلة أن تسليحنا عبارة طبنجات (خزنة الواحدة منها 15 طلقة)، بينما المسافة بيننا وبين المهاجمين 300 متر، ولتعويض هذه الفجوة جرينا بأقصى سرعة نحو سيارة الرئيس…”.
وتابع: “نظمنا تشكيلًا قتاليًّا، ونحن نجري تجاه الرئيس، ورغم أن النيران كانت كثيفة جدًّا إلا أننا أسقطنا 3 من المهاجمين صرعي.. هربت العناصر الإجرامية التي حاولت تنفيذ عملية الاغتيال، وانسحبنا نحن الستة في تشكيل معين.. أخذنا سيارة إثيوبية واتجهنا للمطار، وقمنا بتنفيذ خطة احتياطية شاملة لتأمين عودة الرئيس إلى مصر، بعد أن علمنا بأن المخطط يشمل كمين آخر.. استحضرنا كل خبرتنا باعتبارنا آخر نطاق أمني حول الرئيس.. قناعتنا الدائمة بأن اختراق هذا النطاق يعنى نجاح المهاجمين في مهمتهم، ومن ثم نجحنا والحمد لله في حماية الرئيس أولًا، ثم إخلاؤه لاحقًا من موقع الحدث قبل عودتنا للقاهرة”.
بدوره، قال اللواء رأفت الحجيري (عضو فريق الحراسة الرئاسية منذ 1986، سكرتير الرئيس بعد عام 2005) الذي كان واحدا من “النطاق الضيق”، حول الرئيس لحظة تنفيذ المحاولة الفاشلة في أديس أبابا، بإثيوبيا: “بعد استقبال الرئيس -مبارك- رسميًّا في المطار، وخروجنا منه بنحو 100 متر وجدنا سيارة تخرج علينا من شارع جانبي.. كانت تحاول قطع الطريق.. راحت تطلق النيران باتجاه سيارة الرئيس.. نزلنا على الفور من السيارات، وتبادلنا إطلاق النيران مع اثنين من الإرهابيين اللذين يحيطان بنا من اليمين واليسار اللذين نفذا الهجوم.. استغللنا فرصة انتهاء خزينة سلاحيهما الآلي، وقمنا بإطلاق النيران عليهما وقتلهما…”.
معلومات
من جانبه، قال اللواء شفيق البنا (رئيس للإدارة المركزية لرئاسة الجمهورية المصرية) حول كواليس محاولة اغتيال مبارك: “وصلتنا معلومات قبل المحاولة الفاشلة بأسبوع.. تم طرح الملف علي لجنة الأمن الخاصة بالرئاسة، ولأن الاعتذار عن سفر الرئيس لم يكن مستحبًّا، لذا تم الاتفاق على سفر السيارة المرسيدس المصفحة مع الموكب، بإصرار من مدير جهاز المخابرات، اللواء عمر سليمان.. كان مسموحًا لكل رئيس دولة بحارسين، فقررنا إرسال 6 حراس وزودناهم بالتسليح الكافي، برئاسة اللواء حامد شعراوي…”.
وأضاف: “كان من المفترض أن تخصص لنا الحكومة الإثيوبية 4 سيارات للحراسة، لكننا فوجئنا بسيارة واحدة فقط، وعند بدء تنفيذ المحاولة تم فتح الرصاص علي السيارة من بعد 5 أمتار، وكانت مهمة الحرس إخلاء الرئيس من الموقع وتبين أن كمين الاغتيال كان مكونًا من ثلاث نقاط، وحدثت مشكلة بين أفراد الكمين الأوسط المهاجم وضابط إثيوبي (حاول إبعادهم عن الطريق) فاضطروا لقتله فسمع أفراد الكمين الأول والأخير صوت الرصاص فظنوا أن التنفيذ بدأ وتحركوا وهذا ما مكن أفراد حراسة الرئيس من التعامل معهم…”.
التفاصيل المتعلقة بـ”السيارة المصفحة”، توضح أن اللواء عمر سليمان (الذي كانت علاقته بمبارك عادية في سياقها المهني حتى صيف 1995) أصر خلال اجتماع أمني- سياسي قبل السفر لحضور وفد مصر المشارك في القمة الإفريقية بأديس أبابا، على أن يأخذ مبارك سيارته المصفحة، وفيما أعربت أطرافًا أخرى خلال الاجتماع عن دهشتها كون هذه الخطوة تشكل على حد وصفهم “إهانة للإثيوبيين”، غير أن سليمان تمسك بموقفه، وحدسه الأمني- الاحترافي.
في تمام الساعة الثامنة والربع من صباح يوم 26 يونيو 1995، تأكد صدق موقف عمر سليمان، عندما غادر موكب مبارك مطار أديس أبابا.. كان الرئيس وسليمان يجلسان معًا في المقعد الخلفي للسيارة المصفحة عندما انهمر الرصاص من مدافع رشاشة عبر أسطح مبان مجاورة، وعلى الفور أمر سليمان سائق السيارة (التي أنقذت الموقف) بالدوران للخلف باتجاه المطار، بالتزامن مع تعامل حراسة مبارك مع المهاجمين، قبل نجاح عملية الإخلاء السريعة.
أدوار
قبل التنفيذ رصدت العناصر الإرهابية المكلفة بـ”المراقبة”، طائرة مبارك بمناظير مكبرة وهى تهبط في مطار أديس بابا.. كانت هناك مجموعة أخرى مكلفة بالاشتباك مع الحراسات من الجانبين (الإثيوبي، والمصري) بأسلحة آلية.. تحسبت عناصر التخطيط لاحتمال أن تكون سيارة مبارك مصفحة، ومن ثم تضمنت الخطة استخدام قذائف “آر بي جي”، لتفجير السيارة، وبادرت مجموعة متخصصة بنصب كمين متفجرات.
كان من بين المشاركين في محاولة الاغتيال 8 مصريين (قتل خمسة منهم: شريف عبدالرحمن.. عبدالقدوس القاضي.. مصطفي عبدالعزيز.. عبدالهادي مكاوي.. محمد عبدالراضي، وتمكن ثلاثة آخرون من الهروب: مصطفي حمزة (القيادي في الجناح العسكري بالجماعة الإسلامية) وعزت ياسين (مسئول الاستطلاع وجمع المعلومات عن موكب مبارك) وحسين شميط (مسئول تسليم الأسلحة التي تم نقلها من الخرطوم إلى أديس أبابا من خلال حقائب دبلوماسية مليئة بمدافع الكلاشنكوف والذخيرة وقاذفات “آر. بي. جي ” وقنابل يدوية).
ألقت أجهزة الأمن الإثيوبية القبض على بعض المشاركين الذين لم يتمكنوا من الهرب (عبدالكريم النادي.. العربي صدقي.. صفوت عتيق”، فيما عادت عناصر أخرى مشاركة في التنفيذ (مصرية، وسودانية) إلى الخرطوم، التي استضافت معسكرات التدريب بها عملية تأهيل العناصر على تنفيذ المحاولة، حيث كانت التدريبات تتم في إحدى مزارع (مساحتها حوالي 42 فدانًا تبعد حوالي 20 كيلومترًا من الخرطوم) تحديدًا، في منطقة “سوبا “.
روايات
ووفقا للروايات المتقاطعة من مصادر عدة التي تكشفت إثر الخلافات والاتهامات المتبادلة بين الرئيس السوداني عمر البشير ومنّظر جماعة الإخوان، حسن الترابي، أن الذين كانوا يعرفون بأمر محاولة اغتيال مبارك قبل تنفيذها كل من: علي عثمان طه (وزير الخارجية، نائب الرئيس السوداني لاحقًا) ونافع علي نافع (مدير جهاز الأمن الخارجي) ومطرف صديق (نائب مدير الجهاز) والمقدم صلاح قوش (مدير إدارة العمليات بالجهاز) فضلًا عن العقيد نصر الدين محمد أحمد (نائب مدير إدارة العمليات) وعوض أحمد الجاز (مسئول الجناح العسكري بالتنظيم).
التحقيقات الإثيوبية تتحدث عن تورط عناصر بارزة في النظام السوداني، وأنهم قدموا العديد من التسهيلات لفريق الاغتيال عبر منح أفراد فيه جوازات سفر سودانية، ونقل الأسلحة عبر الحقائب الدبلوماسية، وتوفير الدعم لهم من خلال المنظمات الخيرية الإسلامية، مع رصد مبلغ مالي تصل قيمته إلى 5 ملايين دولار وهى التفاصيل التي أكدها متهمون في العملية صراحة.
وفيما تقول المعلومات إن تنسيقا تم بين قيادات سودانية بارزة وبين تنظيم “الجماعة الإسلامية” في مصر، تتضمن سبل الدعم التي ستقدم (توفير الأسلحة.. الغطاء الآمن.. التمويل اللازم.. التدريب والتأهيل…) فإنه بعد نحو ثمانية أيام من فشل محاولة اغتيال مبارك، أعلنت الجماعة الإسلامية في مصر مسئوليتها عن الحادث، قبل أن يكشف شريط فيديو (يقال إن الأمن الإثيوبي صوره لصالح المخابرات الأمريكية) عن اعترافات بعض المشاركين بمعلومات مثيرة عن المحاولة لدرجة أن المنفذين كانوا يستخدمون صلاة «التهجد» في تبادل المعلومات قبل العملية.
وأوضحت المعلومات أن المنفذين بقيادة مصطفى حمزة (المتهم الأول في قضية أديس أبابا) سافروا إلى إثيوبيا قبل العملية بنحو 15 يومًا.. وتم استطلاع كيفية التنفيذ، وعملية الإخلاء والمغادرة من العاصمة الإثيوبية إلى الخرطوم إذا شاءت الظروف.. وطبقت عناصر التنفيذ هذه الخطوات عمليًّا (كتدريب على التنفيذ) عبر اجتياز الحدود الإثيوبية – السودانية (عبر منطقة المتمة، ومنها إلى القضارف، ثم إلى الخرطوم) وفي كل هذه الخطوات كانت تفاصيل العملية والشخصية المستهدفة قاصرة على القيادة فقط، ولم تعلم بقية العناصر المشاركة بالخطة كاملة سوى ليلة التنفيذ.
تنقلات
وفيما تنقلت العناصر المنفذة للمحاولة بحرية كاملة بين أفغانستان واليمن وإيران، كان هناك على الجانب الآخر من شاطئ البحر الأحمر، تحديدًا، قيادة الجماعة الإسلامية في اليمن دور آخر تحدث عنه علي الشريف (القيادي بالجماعة، مسؤول التنظيم باليمن، خلال الفترة من عام 1992 حتى عام 2004، قبل ترحيله منها) تطرق لدور المسئول القيادي شريف عبدالرحمن (قتل خلال عملية التنفيذ)، وكيفية توافق الجماعة مع النظام السوداني، وقتها، على الخلاص من “مبارك”.. قال: كانت هناك توترات بين النظامين المصري والسوداني، وكان من مصلحة النظام في الخرطوم والجماعة الإسلامية آنذاك التخلص من حسني مبارك…”.
وبحسب على الشريف، وقع الاختيار على العاصمة الإثيوبية لتنفيذ العملية لأنها “لم تتمتع بنظام أمني جيد مثل مصر.. هذه كانت صفة عامة في ذلك الوقت في كل دول إفريقيا، بدليل أنني عندما ذهبت إلى نيجيريا خرجت من المطار بجواز السفر دون أن أختمه..”، وحول علمه بالعملية، قال الشريف: “ليس شرطًا أن كل عملية تخطط لها قيادة الجماعة يعلم بها الجميع، حفاظًا على السرية، ومن ثم كانت هناك كثير من الخطط التي لا نعرف عنها شيئًا، أما في محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا، فقد أمد المسؤول العسكري، شريف عبدالرحمن، منفذي العملية بجوازات سفر يمنية من دون علمي”!!.
يقول “الشريف”: “شريف عبدالرحمن، كان المسئول عن عملية أديس أبابا.. توفى في الحادث.. علمت من الصحف أن هناك مجموعة من اليمنيين أرادوا اغتيال مبارك.. ذهبت إلى بيوتهم بحكم علاقتي بهم فوجدت الأمن اليمني يحيط بمنازلهم.. عدت إلى الجناح العسكري، فعرفت منهم أنه تم أخذ جوازات يمنية منهم بهدف السفر بها إلى أديس أبابا.. نعم، كانت هناك لجنة كاملة في اليمن تتولى تجهيز الأوراق الخاصة بالسفر”.
اعترافات
لا ينكر المتهمون (بحسب مقطع فيديو) أن محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا جرى التخطيط والتدبير لها في العاصمة السودانية، الخرطوم، وأنهم استفادوا من التسهيلات التي أتاحتها وجود “الجبهة الإسلامية” في السودان، بزعامة حسن الترابي، وأن العناصر المنفذة تم تجنيدهم في مصر، ومروا باختبارات متعددة لنيل الثقة، قبل أن يتم ضمهم، مع تلقيهم تدريب عسكري مكثف في مزرعة تابعة لأسامة بن لادن في الخرطوم.
وتقول معلومات أنه بعد فشل العملية سارع “البشير”، باستدعاء الترابي للتشاور حول الملف الكارثي الذي بات يهدد النظام نفسه، في حضور نائب الرئيس، الزبير محمد صالح، وبحث كيفية الخروج من تلك الورطة.. يقول مقربون من الاجتماع المنعقد (حينها): “صوت البشير المرتفع كان مسموعًا بصورة واضحة لمن هم خارج قاعة الاجتماع.. كان الترابي في موقف لا يحسد عليه.. لم يعطه البشير فرصة كبيرة للكلام، استغلها الترابي في محاولة تقديم نصيحة متأخرة مفادها: “ضرورة التروي، وعدم التسرع في اتخاذ قرارات أو إجراءات قد تضر أكثر ما تفيد”.
اقترح الترابي على البشير “ترك الأمور تسير بصورة عادية، حتى لا يقال إن النظام له دخل بمحاولة الاغتيال، وأن يبقي علي عثمان طه في موقعه، وزيرًا للخارجية، مع نقل نافع على نافع من جـهاز الأمن موقع آخر كبير، حتى لا تفسر عملية الإطاحة بهما باعتبارها اعتراف رسـمي بالضلوع في محاولة الاغتيال…”.. وافق البشير علي اقتراح الترابي، أملًا في انتهاء الأزمة، وتحسين صورة النظام.
تطورات
لكن القضية خرجت من مرحلة الإدانات المحلية والإقليمية لتصل إلى الأمم المتحدة من خلال ملف كامل فيه كل الحقائق عن اشتراك الجبهة الإسلامية في السودان (فرع الإخوان بالسودان) بقيادة حسن الترابي، وتورطها الواضح في محاولة الاغتيال، بمشاركة نظام الإنقاذ بالتخطيط للمؤامرة، من خلال قيادات بارزة، ولعبت الدبلوماسية المصرية بقيادة عمرو موسي، دورًا في توضيح الدور الذي لعبه أتباع الترابي في المحاولة، من خلال مخاطبة الأمم المتحدة والجامعة ومنظمة الوحدة الإفريقية وقتها، وقدمت لمجلس الأمن شكوى ضـد الحكومة السودانية طالبت فيها بالتحقيق الفوري علي ما قام به النظام السوداني وتعريض حياة الرئيس للتصفية الجسدية والاغتيال مع سبق الإصرار والترصـد.
أمام صراعات السلطة والنفوذ بين أجنحة حكومة الإنقاذ (بعد محاولة الاغتيال بسنوات) لم ينكر “الترابي”، قبل وفاته، حقيقة ما تم.. راح يسرد تباعًا (عبر محطات زمنية) بعض التفاصيل الكاشفة.. تحدث عن أنه بعد فشل المحاولة “عاد إلى السودان مصريان من منفذي العملية بعدما استقلّا طائرة إثيوبيا بأسماء خاصة.. اجتمعنا للنظر في أمرهما.. كان هناك اقتراح –عرضه على عثمان طه- بأن ننتهى منهما، حتى يموت سرهما، لكنى طلبت ترحيلهما إلى أفغانستان ليعلنا من هناك أنهما دخلا السودان في غفلة من أهله…”.
تورط
قال لاحقًا، إن “تمويل العملية لا يقل عن مليون دولار ثم أضاف في إطلالة إعلامية ثالثة (يوليو 2016) أنه علم بمحاولة اغتيال مبارك عندما أخبره نائبه على عثمان طه بشكل مباشر بتورطه في العملية بمعاونة نافع على نافع، قبل أن يعترف الترابي في لقاء تلفزيوني موثق (برنامج العين الثالثة، على قناة العربية، 17 مارس 2006) بأنه على استعداد للإدلاء بشهادة ضد مسؤولين سياسيين كبار في السودان، إضافة لقادة أمنيين سابقين، اتهمهم بالضلوع في محاولة اغتيال مبارك، وأن “أطرافًا في الحكومة السودانية قامت بقتل ضباط أمن سودانيين كانوا ضالعين في محاولة اغتيال مبارك، أو كانوا على علم بها…”، دون أن ينكر الترابي الزيارات المنزلية المتبادلة مع أسامة بن لادن، بحكم الجيرة في الخرطوم، مشيرًا إلى أن “بن لادن لم يكن له علاقة بمحاولة اغتيال مبارك”.
أشار الترابي إلى أن “المنفذين التقوا قيادات سياسية، وأخرى في الحكومة السودانية، ومن ثم فإن القيادات السياسية المشاركة عندما كانت تزور مصر لاحقا كانت القاهرة لا تحترمهم لما بدر منهم، وفجر الترابي مفاجأة عندما قال إن عدد كبير من السودانيين الذين كانوا في أجهزة الأمن، وأعانوهم المنفذين من بعيد قتلوا في السودان، بعض تم تكييف موتهم على أنه حادثة، وتم إبعاد 3 من رؤساء الأجهزة الأمنية لاحقًا لأن إثيوبيا جاءت بالأسماء واضطر رئيس الجمهورية إلى أن يبعدهم بالطبع، قبل أن يعيدهم إلى أماكن عالية في السلطة، حتى لا يثبت الاتهامات عليهم”.
وعن الاجتماع المنعقد بحضور البشير بعد فشل العملية قال الترابي: عقدنا اجتماعًا بعدما وقعت المصيبة.. كان السؤال: ماذا نفعل بهؤلاء الذين عادوا من إثيوبيا.. رد فعل البشير يقول إنه لم يكن مندهشًا.. طبعًا، كل الذين ورطونا في هذه الأزمة كانوا حضورًا.. اقترح البعض عزلهم من مناصبهم، قلت للحضور: اتقوا الله، التروي مطلوب حتى لا يلقي العالم كله عليكم التهمة بالطبع”.
دموية
لم تكن النهاية المأساوية لعدد من المشاركين السودانيين، سرا، خاصة أن الترابي تحدث عن “تصفية ضباط ضالعين في محاولة اغتيال مبارك”، عبر وسائل الإعلام التابعة لحزبه خلال المعارك الإعلامية الساخنة التي خاضها ضد البشير ومساعديه حيث تم تكليف الضابط “ط. م. ع.” (أحد المشاركين) بضرورة اغتيال مشارك آخر “ع. أ.”، بحجة أنه يسرب معلومات عن محاولة الاغتيال، وبالفعل قتله ببندقية كلاشينكوف، قبل أن توجه للمنفذ تهمة القتل العمد، وبعد اعترافه بالجريمة (ظنًا منه بأنه هناك توجيه حركي لتقديمه لمحاكمة صورية تنتهى ببراءته) تم الحكم عليه بالإعدام وتنفيذه في سجن كوبر العمومي.
وتشير المعلومات إلى أنه تمت قيادات سودانية أخرى ساعد في التنفيذ منها “ع. ج” عضو الأمن الشعبي، و”م. ف. ي.”، و”ت. ب. م.”، الموظفين في الوكالة الإسلامية للإغاثة، وقد تمت عملية التصفية بطرق متعددة في الداخل والخارج، وبعض العمليات تمت أمام أسر الضحايا أنفسهم (زوجات، وأبناء)، والمثير أن بعض المشاركين في عملية تنفيذ التصفيات بعد الحكم عليهم من قبل القضاء، جرى الطعن على الأحكام الصادرة بحقهم، وخرجوا براءة لاحقًا، مثل واقعة رئيس لجنة التحقيق (التي جرى تشكيلها بعد فشل العملية) أحمد على البشير، حيث تم اغتياله أمام منزله، قبل براءة المنفذين من التهمة.
توصيات
وكانت لجنة “أحمد البشير”، قد أوصت قبل اغتياله بإبعاد القيادات المتورطة، وتشمل تعيين اللواء أحمد مصطفى الدابي بديلًا لنافع علي نافع في رئاسة جهاز الأمن الخارجي، والإطاحة بمطرف صديق من منصب الرجل الثاني في جهاز الأمن الخارجي، وتعيينه في سفارة السودان بنيجيريا، وتعيين صلاح قوش في هيئة التصنيع الحربي بدلًا من إدارة العمليات في جهاز الأمن الداخلي، ونقل العقيد نصرالدين محمد أحمد من مدير إدارة العمليات في جهاز الأمن الخارجي للعمل ملحقًا أمنيًّا في السفارة السودانية بمصر.
وفيما نجا “ج. إ. ص.”، و”ع. ح.” من المصير نفسه (بحسب المصادر) عبر هروبه إلى الخارج، فإن الأطراف المهتمة بمصير المنفذين (سواء الجانب المصري، أو الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون) عندما كانت تسأل حكومة الخرطوم عن تفاصيل ما حدث، ومصير الشخصيات المشاركة، كانت تسمع من مسؤوليها الدبلوماسيين والسياسيين بإجابات فضفاضة من عينة أن “السودان بلد مترامي الأطراف ولا يمكن بسهولة التوصل لمطلوب فيه في ظل الارتباطات القبلية والعائلية، الأمر الذي تسبب في أزمة ثقة بين النظام الحاكم في الخرطوم وبين الأطراف الدولية”.
وعندما أخذت بعض التفاصيل طريقها تباعًا للرأي العام، بادرت قيادات رسمية ضالعة في المحاولة الفاشلة بتسريب معلومات مفادها أنه “لم يكن هناك سيطرة كاملة على الأجهزة الأمنية في ظل ازدواج الولاء بين البشر والترابي، فضلًا عن عدم وحدة الموقف في ضوء الانتماءات السياسية والفكرية داخل هذه الأجهزة، وأن محاولة اغتيال مبارك، سلطت الضوء على ما يحدث من مخالفات منهجية تتنافى مع طبيعة الأداء الاحترافي الذي يجب أن تكون عليه هذه الأجهزة، غير أن المتغيرات اللاحقة لم تؤكد وجود رغبة في حسم هذه الملابسات.
تخطيط
الملاحظ، أن خطة تنفيذ محاولة اغتيال مبارك كانت تتعمد تضخيم الخلاف بين قيادة الجماعة الإسلامية في مصر والحكومة المصرية، لإظهار عملية الاغتيال (قبل فشلها) في صورة انتقام داخلي مرتبط بمظلومية سياسية- أمنية، وهو ما توافقت عليه الأطراف التي أدارت العملية من خلف ستار في السودان، لاسيما قطر وإيران، حيث كانت مصالح طهران متوافقة مع معظم جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي (الإخوان.. السلفية بمدارسها وتياراتها: الدعوية، والسياسية، والجهادية، والتكفيرية) العاملة في المنطقة العربية، التي راحت إيران تسترضيها بزعم وحدة الهدف مواجهة العدو الصهيوني وتحرير فلسطين؛ كون هذه الخطوة ستخفف من ثورة الشباب المسلم المدافع عن العقيدة والمقدسات في مواجهة تمدد المشروع الإيراني- التوسعي، الراغب في التوسع غربا في عموم الخليج واليمن والشام.
وعليه، كانت إيران ترى أن اغتيال حسني مبارك سيغير خريطة المنطقة، وأنه بعد تنفيذ العملية على النحو المخطط له ستستغل حالة الانشغال بهذا الحدث وتسارع بإرسال أعداد كبيرة من قواتها لاحتلال منطقة شرق السودان بكاملها وفرض السيطرة عليها واعتبارها منطقة عسكرية تحت مظلة الحكومة السودانية، على أن تبدأ طهران في إقامة منصات إطلاق صواريخ متعددة المدى وبناء مطار حربي يسع لعشرات الطائرات المقاتلة مدعومة بسفن وبوارج إيرانية علي سواحل السودان بالبحر الأحمر، تمهيدًا لأن تصبح منطقة شرق السودان أكبر قاعدة عسكرية إيرانية في إفريقيا، لكن النحو الدرامي الذي انتهت له المؤامرة، جعل الإدارة الأمريكية تفرض شروطها على الخرطوم (المأزومة بحكم دعمها للإرهاب) وترتب على ذلك طرد آلاف من قوات الحرس الثوري الإيراني كانت تتمركز في السودان، وإغلاق مكتب تابعة لمنظمات ومليشيات إرهابية أخرى.
دلالة
وعن دور قطر المبكر في هذا الملف فإن إحدى القضايا التي تداولتها المحاكم الأمريكية (تحديدا، في ولاية إلينوي) كشفت عن الدور الذي لعبته قطر من خلال مؤسسة “قطر الخيرية” (تم وضعها لاحقا على قوائم الجمعيات الممولة للإرهاب) في تمويل محاولة اغتيال مبارك، حيث أشارت المعلومات إلى أن عملية التنفيذ تمت بأموال قطرية، بعد أقر المتهم الرئيسي إنعام أرناؤوط (أمريكي من أصول سورية) بأنه مذنب بالتآمر وتمويل الإرهاب، بينما قدم الادعاء أدلة تشير إلى تورط مؤسسة قطر الخيرية، في تمويل محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا بإثيوبيا”.
في المقابل، استفادت إثيوبيا من تقاطع الخرطوم مع المحاولة الفاشلة، ومن ثم وجدت المبرر الأخلاقي لوضع يدها علي منطقة “الفشـقة”، التي تعد من أجود المناطق الزراعية في السودان، حيث احتلتها بالقوة وطردت منها المزارعين السودانيين حتى الآن، وغم أن السكان رفعوا مئات العرائض يطالبون فيها الحكومة بحمايتهم وإعادتهم لمنطقتهم، لكنها لم تجد آذانًا صاغية، بل صدتهم الشرطة.
الغريب، أن صحفي مصري ذهب إلى السودان (صيف عام 2008) لعمل تحقيق استقصائي عن محاولة الاغتيال فإذا به يعرض رواية المخططين (بقيادة حسن الترابي، ورجاله المقربين في الأجهزة الأمنية السودانية) يقول: “ذهبت لحسن الترابي فنفي رواية مبارك.. في مقابلتي مع رئيس المخابرات السابق، قطبي المهدي، صادفت معلومة جديدة تناقض الرواية الرسمية للنظام المصري.. أطلعني علي جزء من الحقيقة ينافي رواية قصر العروبة…”، وظهر تأثر الصحفي بالرواية السودانية عندما نقل على لسان، قطبي المهدي: “معظم المتورطين تم القبض عليهم خارج السودان.. البعض جاء وسلم نفسه.. كلهم مصريون.. نعم، كلهم مصريون”.
ما لم يعرفه الصحفي المصري أنه تم تكليف قطبي المهدي (مع وزير الدولة للشؤون الخارجية، غازي صلاح الدين، تلميذ الترابي أيضا) بتهريب 3 من المتهمين خارج السودان بواسطة طائرة خاصة متجهة إلى إيران بجوازات سفر سودانية جديدة استغلالا لعلاقات قطبي المهدي (سفير السودان في طهران، حينها) بتنسيق أمني مع الأجهزة المعنية في إيران، ومنها سافرت العناصر المذكورة إلى ماليزيا، ثم إلى أفغانستان، ما يعنى أنه تم استخدام جميع الأوراق لمحاولة محو أي علاقة للخرطوم بالجريمة.
فضفضة
وقال الترابي ذات مرة (في لحظة صفا) مع السفير الأمريكي في الخرطوم: “عندما تجرأ مبارك بالذهاب إلى أديس أبابا لحضور قمة منظمة الوحدة الإفريقية كان المسلمون من أبناء النبي موسى له بالمرصاد.. تصدوا له، وأربكوا خططه، وردوه إلى بلده…”!!، ووفقًا لمعلومات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومركز أبحاث الكونجرس ووثائق مجلس الأمن الدولي، تم التخطيط للمحاولة لأكثر من عام كامل.
وبادر المرشحون للمشاركة في عملية التنفيذ بالزواج من إثيوبيات في محاولة صورية للذوبان في محيطهم الجديد.. أيمن الظواهري نفسه سافر لاستطلاع الموقع المخطط تنفيذ العملية فيه.. تقارير الوكالة أكدت أن أطراف بارز في النظام السوداني متورطة في العملية، قبل أن يبادر النظام بطرد أسامة بن لادن من السودان، ويصادر أملاكه.
من هنا، كشف آلاف السودانيين (11 إبريل 2019) عن فرحتهم بانتهاء حكم جماعة الإخوان في السودان، من خلال الأجواء الاحتفالية غير المسبوقة، التي تعبر عن حجم المعاناة التي عاشها الشعب تحت وطـأة السلطة التابعة للجماعة في السودان (ما يسمى بـ: الحركة الإسلامية، الواجهة السياسية للإخوان) بزعامة، أحمد حسن الزبير، المقرب من عمر البشير، وكلاهما من خلصاء “النظام القطري” المتآمر.
ودك يوصلك كل جديد :
• تابعنا على التيلجرام اضغط هنا
• تابعنا على تويتر اضغط هنا